فصل: بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [الطَّلَاقُ بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ]:

(لَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا (أُرِيدُ أَنْ تُطَلِّقَنِي، فَقَالَ إنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ) قَالَ لَهَا (إذَا أَرَدْتِ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ) أَيْ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهَا (تَطْلُق بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ وَقِيلَ) أَيْ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا أَنَّهَا تَطْلُق (فِي الْحَالِ) إذْ دَلَالَةُ الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إيقَاعَهُ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِهَا، وَنَصَرَ الثَّانِي الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ (وَمِثْلُهُ) فِي الْحُكْمِ (تَكُونِينَ طَالِقًا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ) طَلَاقِهَا وَنَحْوِهِ (عَلَى) الْإِيقَاعِ فِي (الْحَالِ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ) فَيَقَعُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

.فَصْلٌ: فِي مَسَائِلَ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مُتَفَرِّقَةٍ:

أَيْ: الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْت الْهِلَالَ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (عِنْدَ رَأْسِهِ) أَيْ: الْهِلَالِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا رُئِيَ) الْهِلَالُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (وَقَدْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (أَوْ تَمَّتْ الْعِدَّةُ) بِتَمَامِ الشَّهْرِ قَبْلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعِلْمُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ؛ لِحَدِيثِ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا». وَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ وَحُصُولُ الْعِلْمِ، فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إلَى عُرْفِ الشَّرْعِ، كَقَوْلِهِ: إذَا صَلَّيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الدُّعَاءِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ نَحْوِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ يُخَالِفُ اللُّغَةَ، وَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (وَإِنْ نَوَى الْعِيَانَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَصْدَرُ عَايَنَ؛ أَيْ: نَوَى مُعَايَنَةَ الْهِلَالِ، أَيْ: إدْرَاكَهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ خَاصَّةً مِنْهَا (أَوْ) مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ نَوَى (حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا بِهِ؛ قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، فَلَا تَطْلُق حَتَّى تَرَاهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ يَرَاهُ فِي الْأُولَى (وَهُوَ هِلَالٌ) أَيْ: يُسَمَّى بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (إلَى) لَيْلَةٍ (ثَالِثَةٍ) مِنْ الشَّهْرِ (ثُمَّ يُقْمِرُ) بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ أَيْ يُسَمَّى قَمَرًا، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْهِلَالَ حَتَّى أَقْمَرَ، وَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا (فَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ) ذَلِكَ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ رَأَيْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْهُ) مُطَاوِعَةً (لَا مُكْرَهَةً، وَلَوْ) كَانَ زَيْدٌ (مَيِّتًا أَوْ فِي مَاءٍ أَوْ زُجَاجٍ شَفَّافٍ؛ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ بِحَقِيقَةِ رُؤْيَتِهَا، فَإِنْ كَانَ الزُّجَاجُ غَيْرَ شَفَّافٍ، وَكَانَ فِيهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا لَهُ لِلْحَائِلِ إلَّا مَعَ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ) تَخُصُّ الرُّؤْيَةَ بِحَالٍ، فَإِذَا رَأَتْهُ فَلَا تَطْلُق؛ فِي غَيْرِهَا (وَلَا تَطْلُق إنْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ أَوْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ بِهِ فَيَحْنَثُ إنْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءُ (وَ) إنْ قَالَ (مَنْ بَشَّرَتْنِي أَوْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ) بِهِ (عَدَدٌ) اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ نِسَائِهِ (مَعًا طَلُقَ) ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِوُقُوعِ لَفْظَةِ مَنْ عَلَى الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ.
قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (وَ) أَلَّا يُبَشِّرْنَهُ أَوْ يُخْبِرْنَهُ مَعًا، بَلْ مُرَتَّبًا، فَسَابِقَةٌ صَدَقَتْ تَطْلُق، لِأَنَّ التَّبْشِيرَ حَصَلَ بِإِخْبَارِهَا خَبَرَ صِدْقٍ تَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ غَمٍّ، وَالْخَبَرُ الْكَاذِبُ وَمَا بَعْدَ عِلْمِ الْمُخْبِرِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَإِلَّا) تُصَدَّقُ السَّابِقَةُ (فَأَوَّلُ صَادِقَةٍ) مِنْهُنَّ تَطْلُق؛ لِأَنَّ السُّرُورَ وَالْغَمَّ حَصَلَ بِخَبَرِهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) قَوْلُهُ لِزَوْجَاتِهِ (مَنْ أَنْذَرَتْنِي) مِنْكُنَّ (الْعَدُوَّ) فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَنْذَرَهُ عَدَدٌ مِنْهُنَّ؛ طَلُقَ ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا زَادَ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْإِنْذَارُ بِالْعَدَدِ مَعًا، فَطَلُقَ الْعَدَدُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَالَ إنْ ظَنَنْتِ بِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَظَنَّتْهُ بِهِ، طَلُقَتْ، لَا يُقَالُ: الظَّنُّ لَا يَنْتِجُ قَطْعِيًّا، فَكَيْفَ تَطْلُق؟؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ حَصَلَ لَك الظَّنُّ بِكَذَا، إلَى آخِرِهِ لِحُصُولِ قَطْعِيٍّ؛ فَيُورِثُ قَطْعِيًّا (وَ) إنْ قَالَ (إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَهَا) هُوَ، أَيْ: الْقَائِلُ لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ إنْ دَخَلَ دَارَكَ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَدَخَلَهَا رَبُّهَا) الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْكَلَامِ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ، عَمَلًا بِقَرِينَةِ الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَكَانَا، أَيْ: الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ (فِي السُّوقِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ) الْمَرْأَةُ، لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْعَبْدُ عَتَقَ بِاللَّفْظِ فَ (لَمْ يَبْقَ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (فِي السُّوقِ عَبْدٌ حَالَ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا وَعَكْسُهُ) كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَا (بِعَكْسِهِ) أَيْ: فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ بَعْدَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ. (وَمَنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَفْعَلُهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُكْرَهًا) لَمْ يَحْنَثْ نَصًّا، لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ، (أَوْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ مُغَطًّى عَلَى عَقْلِهِ (وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ) حَيْثُ فَعَلَهُ فِي حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، (وَ) إنْ فَعَلَهُ (نَاسِيًا) لِحَلِفِهِ (أَوْ جَاهِلًا) أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَدَخَلَهَا جَاهِلًا أَنَّهَا دَارُ زَيْدٍ أَوْ جَاهِلًا الْحِنْثَ إذَا دَخَلَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَ زَيْدٍ، فَدَفَعَهُ زَيْدٌ لِآخَرَ لِيَدْفَعَهُ لِمَنْ يَبِيعُهُ فَدَفَعَهُ لِلْحَالِفِ، فَبَاعَهُ غَيْرُ عَالِمٍ؛ حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ (أَوْ عَقَدَهَا) أَيْ: الْيَمِينَ (يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ) كَمَنْ حَلَفَ لَا فَعَلْتُ كَذَا ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (فَبَانَ بِخِلَافِهِ؛ يَحْنَثُ فِي) حَلِفِ (طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْإِتْلَافِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ؛ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» (وَ) إنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ (لَيَفْعَلَنَّهُ) كَلَيَقُومَنَّ (فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا) عَلَى تَرْكِهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) تَرَكَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ (أَوْ نَائِمًا) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَغْطِيَةِ عَقْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا (لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ انْتَهَى.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَحْنَثْ قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. (وَيَتَّجِهُ بَرُّ حَالِفٍ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا) كَلَيَقُومَنَّ مَثَلًا (وَفَعَلَهُ) أَيْ: فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (حَالَ نَحْوِ جُنُونٍ) كَنَوْمٍ (وَإِغْمَاءٍ) إذَا الْبَرُّ وَالْحِنْثُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ يَمْنَعْ بِيَمِينِهِ) أَيْ: الْحَالِفِ (كَزَوْجَتِهِ) وَوَلَدِهِ وَغُلَامِهِ (وَقَرَابَتِهِ) إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَقَصَدَ يَمِينُهُ مَنْعَهُ، وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ دَفَعَهُ شَخْصٌ (دَفْعَ إكْرَاهٌ) بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي غَفْلَةٍ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيمَا مَنَعَهُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، بِذَلِكَ كَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَهُوَ) أَيْ: كَالْحَالِفِ (فِي نَحْوِ إكْرَاهٍ) كَجُنُونٍ (وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ) فَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا لَا تَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَتْهَا مُكْرَهَةً؛ لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا، وَإِنْ دَخَلَتْهَا جَاهِلَةً بِيَمِينِهِ أَوْ نَاسِيَةً فَعَلَى مَا سَبَقَ يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَفَعَلَهُ كَرْهًا، لَمْ يَحْنَثْ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ والْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَتْ زَوْجَتِي بَلَدَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا؛ فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، يَقَعُ بِقُدُومِهَا كَيْفَ كَانَ، كَمَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ (لَا) إنْ حَلَفَ عَلَى (مَنْ لَا يَمْتَنِعُ) بِيَمِينِهِ (كَسُلْطَانٍ وَأَجْنَبِيٍّ وَحَاجٍّ فَ) إنَّهُ (يَحْنَثُ) حَالِفٌ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، فَحَنِثَ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا يَفْعَلُهُ، فَخَالَفَهُ؛ حَنِثَ الْحَالِفُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَتَوْكِيدُ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمَنْفِيِّ بِلَا قَلِيلٌ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} (لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ بِمُخَالَفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ) وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُهُ، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ) الْحَالِفُ (بَيْتًا هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ) سَلَّمَ (عَلَى قَوْمٍ هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ بِهِ (أَوْ قَضَاهُ) فُلَانٌ (حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، أَوْ أَحَالَهُ) فُلَانٌ (بِهِ) أَيْ: بِحَقِّهِ (فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ) قَدْ (حَنِثَ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قَاصِدًا لِفِعْلِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَهُ (إلَّا فِي السَّلَامِ) أَيْ: إلَّا إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ أَجْنَبِيًّا، وَإِلَّا فِي الْكَلَامِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِكَلِمَةٍ، أَوْ كَلَّمَ قَوْمًا هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِسَلَامِهِ وَلَا كَلَامِهِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُمْ (وَإِنْ عَلِمَ) الْحَالِفُ (بِهِ) أَيْ: الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْقَوْمِ (فِي) حَالِ (سَلَامٍ) أَوْ كَلَامٍ (وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ؛ حَنِثَ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) السَّلَامَ أَوْ الْكَلَامَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مِنْهُمْ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى فُلَانَةَ بَيْتًا (فَدَخَلَتْ) هِيَ (عَلَيْهِ) وَهُوَ فِي بَيْتٍ (فَإِنْ خَرَجَ فِي الْحَالِ بَرَّ) وَإِلَّا يَخْرُجْ فِي الْحَالِ (حَنِثَ وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي قَبْلَهَا) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ فِعْلَ الْجَمِيعِ، فَلَمْ يَبَرَّ إلَّا بِهِ (فـَ) لَوْ حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ الرَّغِيفَ، أَوْ) حَلَفَ (لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَأْكُلَهُ) أَيْ: الرَّغِيفَ (كُلَّهُ أَوْ يَدْخُلَهَا) أَيْ: الدَّارَ (بِجُمْلَتِهِ) فَلَوْ أَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ مِنْهَا؛ لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا. وَلَوْ حَلَفَ مَدِينٌ لَا تَأْخُذُ حَقَّكِ مِنِّي فَأُكْرِهَ الْمَدِينُ عَلَى دَفْعِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَأْخُذُهُ؛ فَأَخَذَهُ؛ حَنِثَ، أَوْ أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدِينِ الْحَالِفِ قَهْرًا؛ حَنِثَ لِوُجُودِ الْأَخْذِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ، فَأَخَذَهُ، فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا؛ فَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَيَتَّجِهُ. وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ فَتٍّ سَقَطَ مِنْ الرَّغِيفِ حَتَّى أَكَلَهُ؛ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ يَسِيرٌ جِدًّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ إذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ:.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَفْعَلُ شَيْئًا) وَلَا نِيَّةَ، وَلَا سَبَبَ، وَلَا قَرِينَةَ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ. (أَوْ) حَلَفَ عَلَى (مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ) كَزَوْجَةٍ وَقَرَابَةٍ مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ وَكَذَا غُلَامُهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا (وَقَصَدَ مَنْعَهُ) مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ (وَلَا نِيَّةَ) تُخَالِفُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ (وَلَا سَبَبَ وَلَا قَرِينَةَ) تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَعْضِهِ (فَفَعَلَ) الْحَالِفُ أَوْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (بَعْضَهُ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا، فَأَكَلَ بَعْضَهُ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَدْخُلُ بَيْتَ أُخْتِهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ كُلُّهَا، أَلَا تَرَى أَنْ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُلِّي أَوْ بَعْضِي، لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَكُونُ بَعْضًا، وَالْبَعْضَ لَا يَكُونُ كُلًّا، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ إلَى عَائِشَةَ، فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ. (فَمِنْ حَلَفَ عَلَى مُمْسِكٍ مَأْكُولًا) كَرُمَّانَةٍ أَوْ تُفَّاحَةٍ (لَا آكُلُهُ وَلَا أَمْسِكُهُ، فَأَكَلَ بَعْضًا وَرَمَى الْبَاقِيَ) أَوْ أَمْسَكَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يُمْسِكْهُ كُلَّهُ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا لَا تَفْعَلُ كَذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ فَعَلَ الْبَعْضَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُخَصَّصَةٌ، وَكَذَا لَوْ اقْتَضَى سَبَبُ الْيَمِينِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْجَمِيعَ أَوْ الْبَعْضَ؛ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِهِ كَمَا يَأْتِي (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ بَابِهَا) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا بِجُمْلَتِهِ، (أَوْ) حَلَفَ عَلَى امْرَأَةٍ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ) أَيْ غَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ غَزْلِهَا (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ بَلْ بَعْضَهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ) أَوْ يُؤَجِّرُهُ وَنَحْوُهُ (فَبَاعَ أَوْ وَهَبَ) أَوْ أَجَّرَهُ وَنَحْوَهُ (بَعْضَهُ) أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، وَوَهَبَ بَاقِيَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ كُلَّهُ، وَلَا وَهَبَهُ كُلَّهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ فُلَانٌ شَيْئًا، فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ) عَلَى الْحَالِفِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ مِنْ قَرْضٍ أَوْ نَحْوِهِ) بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّ الْحَالِفَ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَوْ ابْتَاعَ أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ (دُونَ أَنْ يَقُولَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (وَهُوَ) أَيْ: الدَّيْنُ بَاقٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَالِفِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِسَبَبِ الْحَقِّ لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إنْ كَانَا فَارَقَا الْحَالِفَ، وَأَمَّا (إنْ كَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (لَمْ يُفَارِقَاهُ) مِنْ حِينِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ عَلَيْهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِمَا بَعْدَ أَنْ شَهِدَا بِسَبَبِ الْحَقِّ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إلَى الْآنَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لَمْ يَحْنَثْ) لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ بِدَفْعِ الْحَقِّ فِي صُورَةٍ إذَا فَارَقَاهُ أَوْ بَرَّآهُ مِنْهُ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ) مَاءَ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْهُ (حَنِثَ)؛ لِصَرْفِ يَمِينِهِ إلَى الْبَعْضِ لِاسْتِحَالَةِ شُرْبِ جَمِيعِهِ (أَوْ حَلَفَ) عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ غَزْلِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا (وَكَذَا) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ) أَوْ اللَّحْمَ (أَوْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ) أَوْ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ مَا عَلَّقَ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ (أَوْ) اسْمِ جَمْعٍ كَأَنْ حَلَفَ أَنْ (لَا يُكَلِّمَ الْمُسْلِمِينَ) أَوْ الْمُشْرِكِينَ (أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الْمُقَاتِلِينَ؛ فَيَحْنَثُ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُتَعَذِّرٌ) فَلَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ، بَلْ (تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ لِلْبَعْضِ) وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ؛ حَنِثَ سَوَاءٌ كَرَعَ مِنْهُ بِفَمِهِ، أَوْ اغْتَرَفَ مِنْهُ بِيَدَيْهِ، أَوْ بِإِنَاءٍ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذَا الْبِئْرِ فَكَرَعَ مِنْهُ أَوْ اغْتَرَفَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَكَذَا الْعَيْنُ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْتُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَقَطَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَكَلَ، حَنِثَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الثَّمَرَةَ وَهِيَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ أَكْلِ وَرِقِهَا وَأَطْرَافِ أَغْصَانِهَا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ، فَحَلَبَ فِي شَيْءٍ، وَشَرِبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ الْفُرَاتُ، فَوَجْهَانِ، قَدَّمَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهُ الشُّرْبُ مِنْ مَائِهِ، فَحَنِثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَائِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَبِسْت ثَوْبًا، أَوْ لَمْ يَقُلْ ثَوْبًا) بَلْ قَالَ إنْ لَبِسْت (فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى ثَوْبًا مُعَيَّنًا، قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَصِدْقُهُ مُمْكِنٌ (سَوَاءٌ كَانَ) حَلَفَ (بِطَلَاقٍ) أَمْ بِغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ إنْ لَبِسْتِ (صِحَّةُ تَعْيِينِ) نَوْعٍ مِمَّا يُلْبَسُ أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ ذَلِكَ (حُكْمًا، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ دَارًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ أَيِّ دَارٍ كَانَتْ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا أَنَّهُ أَرَادَ دَارًا مُعَيَّنَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ) أَيْ: اشْتَرَى الثَّوْبَ زَيْدٌ (أَوْ نَسَجَهُ أَوْ طَبَخَهُ) أَيْ: طَبَخَ الطَّعَامَ (زَيْدٌ؛ فَلَبِسَ) الْحَالِفُ (ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ) أَيْ: زَيْدٌ (وَغَيْرُهُ، أَوْ) لَبِسَ ثَوْبًا (اشْتَرَيَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (أَوْ) اشْتَرَاهُ (زَيْدٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ أَكَلَ) الْحَالِفُ (مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (حَنِثَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا، وَكَذَا (لَوْ حَلَفَ) لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، فَدَخَلَ دَارًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ بِأَنْ نَوَى مَا انْفَرَدَ بِهِ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا شُورِكَ فِيهِ (وَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُ زَيْدٍ شَيْئًا) انْفَرَدَ بِشِرَائِهِ (فَخَلَطَهُ زَيْدٌ) أَوْ غَيْرُهُ (بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (فَأَكَلَ حَالِفٌ) مِنْهُ (أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ أَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ يَقِينًا (وَإِلَّا يَأْكُلُ) أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ (فَلَا حِنْثَ)، سَوَاءٌ أَكَلَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى شَرِيكُهُ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الْحِنْثَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا بِتُّ عِنْدَ زَيْدٍ، حَنِثَ) بِمُكْثِهِ عِنْدَهُ (أَكْثَرَ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَبِيتًا؛ بِخِلَافِ نِصْفِ اللَّيْلِ فَمَا دُونَهُ وَ(لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا قُمْتُ عِنْدَهُ كُلَّ اللَّيْلِ) أَوْ حَلَفَ لَا بِتُّ عِنْدَهُ (وَنَوَاهُ) أَيْ: كُلَّ اللَّيْلِ (فَأَقَامَ) عِنْدَهُ (بَعْضَهُ) أَيْ: اللَّيْلِ (أَوْ أَكْثَرَهُ) أَيْ: اللَّيْلِ (وَلَا يَحْنَثُ إنْ حَلَفَ لَا بَاتَ) بِبَلَدٍ (أَوْ لَا آكُلُ بِبَلَدٍ؛ فَبَاتَ أَوْ أَكَلَ خَارِجَ بُنْيَانِهِ) أَيْ: الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِتْ أَوْ يَأْكُلْ فِيهِ، وَيَحْنَثُ إنْ أَكَلَ بِمَسْجِدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ خَارِجَهَا قَرِيبًا مِنْهَا عَادَةً.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا غَصَبَ، فَثَبَتَ الْغَصْبُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ فَقَطْ كَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ، أَوْ بِالنُّكُولِ؛ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ.

.بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ:

(وَهُوَ) أَيْ: التَّأْوِيلُ (أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ (بِلَفْظٍ مَا) أَيْ: مَعْنًى (يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ) أَيْ: اللَّفْظِ (وَلَا يَنْفَعُ) تَأْوِيلٌ فِي حَلِفٍ (ظَالِمًا) بِحَلِفِهِ لِحَدِيثِ: «يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» وَحَدِيثُ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» رَوَاهمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ وَأَنْكَرَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَتَأَوَّلَ؛ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى ظَاهِرِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ وَلَمْ يَنْفَعْ الْحَالِفُ تَأْوِيلَهُ لِئَلَّا يُفَوِّتَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالتَّحْلِيفِ، وَيَصِيرُ التَّأْوِيلُ وَسِيلَةً إلَى جَحْدِ الْحُقُوقِ وَأَكْلِهَا بِالْبَاطِلِ (وَيُبَاحُ) التَّأْوِيلُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الظَّالِمِ مَظْلُومًا كَانَ، أَوْ لَا ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا رُوِيَ أَنَّ مُهَنَّا والمروذي كَانَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، هُمَا وَجَمَاعَةٌ مَعَهُمَا، فَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ المروذي، وَلَمْ يُرِدْ المروذي أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّا أُصْبُعَهُ فِي كَفِّهِ، وَقَالَ: لَيْسَ المروذي هَا هُنَا، وَمَا يَصْنَعُ المروذي هَا هُنَا؛ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحْمَدُ «وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا وَمِنْهُ إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ». وَالْمِزَاحُ أَنْ يُوهَمَ السَّامِعُ بِكَلَامِهِ غَيْرَ مَا عَنَاهُ؛ وَهُوَ التَّأْوِيلُ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَجُوزٍ «لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ يُنْشِئُهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) إنْ ادَّعَى التَّأْوِيلَ (مَعَ قُرْبِ احْتِمَالٍ وَ) مَعَ (تَوَسُّطِهِ) لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ، وَ(لَا) تُقْبَلُ دَعْوَى التَّأْوِيلِ (مَعَ بُعْدِ) الِاحْتِمَالِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ (كَنَاوٍ بِلِبَاسٍ اللَّيْلَ، وَفِرَاشٍ وَبِسَاطٍ الْأَرْضَ، وَبِسَقْفٍ وَبِنَاءٍ السَّمَاءَ وَبِأُخُوَّةٍ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَيَتَّجِهُ: أَوْ كَانَ). نَوَى حِينَ تَلَفُّظِهِ بِالْأُخُوَّةِ كَوْنَهُمَا (مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) بِقَوْلِهِ (مَا ذَكَرْت فُلَانًا مَا قَطَعْت ذِكْرَهُ، وَمَا رَأَيْتُهُ مَا ضَرَبْت رِئَتَهُ وَ) بِقَوْلِهِ (نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ، أَيْ: بَنَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ، وَبِجَوَارِيهِ أَحْرَارَ سُفُنِهِ وَ) بِقَوْلِهِ (مَا كَاتَبْت فُلَانًا وَلَا عَرَفْتُهُ وَلَا أَعْلَمْتُهُ وَلَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً، وَلَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً) وَلَا فَرُّوجَةً (وَلَا بِبَيْتِهِ فُرُشٌ وَلَا حَصِيرٌ وَلَا بَارِيَةٌ، وَيَعْنِي) فِي قَوْلِهِ مَا كَاتَبْت فُلَانًا (مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ وَ) مَا عَرَفْت فُلَانًا (جَعْلَهُ عَرِيفًا وَ) مَا أَعْلَمْتُهُ مَا جَعَلَهُ (أَعْلَمَ الشَّفَةِ) أَيْ: مَشْقُوقَهَا (وَ) يَعْنِي (بِالْحَاجَةِ) فِي قَوْلِهِ مَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً (شَجَرَةً صَغِيرَةً) (وَ) يَعْنِي (بِالدَّجَاجَةِ) بِقَوْلِهِ مَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً بِتَثْلِيثِ الدَّالِ (الْكُبَّةُ مِنْ الْغَزْلِ) وَبِالْفُرُوجَةِ الدُّرَّاعَةَ (وَ) يَعْنِي (بِالْفُرُشِ) فِي قَوْلِهِ وَلَا بِبَيْتِهِ فُرُشٌ (صِغَارَ الْإِبِلِ؛ وَيَعْنِي بِالْحَصِيرِ) بِقَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِهِ حَصِيرٌ الْحَبْسَ، (وَ) يَعْنِي (بِالْبَارِيَةِ) فِي قَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِهِ بَارِيَةٌ (السِّكِّينَ الَّتِي يَبْرِي بِهَا) الْأَقْلَامَ (وَلَا أَكَلْت مِنْ هَذَا شَيْئًا وَلَا أَخَذْت مِنْهُ، وَيَعْنِي) بِالْمُشَارِ إلَيْهِ (الْبَاقِي بَعْدَ أَكْلِهِ وَأَخْذِهِ) فَلَا حِنْثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ مَا نَوَاهُ.
تَنْبِيهٌ:
لَا يَخْلُو الْحَالِفُ الْمُتَأَوِّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا مِثْلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ لَوْ صَدَقَهُ لَظَلَمَهُ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، أَوْ نَالَ مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ؛ فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَاطِمَةُ، فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَحَلَفَ بِطَلَاقِ فَاطِمَةَ، وَنَوَى الَّتِي مَاتَتْ.
قَالَ إنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ لَهُ ظَالِمًا؛ فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ صَاحِبِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْمُطَلِّقُ هُوَ الظَّالِمُ، فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الَّذِي اسْتَحْلَفَهُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» يَعْنِي سَعَةَ الْمَعَارِيضِ الَّتِي تُوهِمُ بِهَا السَّامِعَ غَيْرَ مَا عَنَاهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: الْكَلَامُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ، يَعْنِي لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَكْذِبَ، لِكَثْرَةِ الْمَعَارِيضِ، وَخَصَّ الظَّرِيفَ بِذَلِكَ يَعْنِي بِهِ الْكَيِّسَ الْفَطِنَةَ، فَإِنَّهُ يَفْطِنُ التَّأْوِيلَ، فَلَا وَجْهَ إلَى الْكَذِبِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَاَلَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَقٍّ عِنْدَهُ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى ظَاهِرِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ، وَلَا يَنْفَعُ الْحَالِفَ تَأْوِيلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ التَّأْوِيلُ لَبَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى بِهِ الْيَمِينَ، إذْ مَقْصُودُهَا تَخْوِيفُ الْحَالِفِ لِيَرْتَدِعَ عَنْ الْجُحُودِ خَوْفًا مِنْ عَاقِبَةِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، فَمَتَى سَاغَ التَّأْوِيلُ لَهُ انْتَفَى ذَلِكَ، فَصَارَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى جَحْدِ الْحُقُوقِ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ لِقِصَّةِ المروذي الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: كَانَ إذَا طَلَبَ إنْسَانٌ إبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُرِدْ إبْرَاهِيمُ أَنْ يَلْقَاهُ خَرَجَتْ إلَيْهِ الْخَادِمَةُ فَقَالَتْ: اُطْلُبُوهُ فِي الْمَسْجِدِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الْعَجُوزِ وَالرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ»: «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ وَقَدْ ذَكَرَتْ لَهُ زَوْجَهَا هُوَ الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ؟ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ لَصَحِيحُ الْعَيْنِ» وَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيَاضَ الَّذِي حَوْلَ الْحَدَقَةِ. وَيُرْوَى عَنْ شَقِيقٍ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ امْرَأَةً وَتَحْتَهُ أُخْرَى، فَقَالُوا: لَا نُزَوِّجُك حَتَّى تُطَلِّقَ امْرَأَتَك، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا، فَزَوَّجُوهُ، فَأَقَامَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالُوا: قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ كَانَ لِي ثَلَاثُ نِسْوَةٍ؛ فَطَلَّقْتُهُنَّ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُ ثَلَاثًا؛ قَالُوا: مَا هَذَا أَرَدْنَا فَذَكَرَ ذَلِكَ شَقِيقٌ لِعُثْمَانَ، فَجَعَلَهَا بِنِيَّتِهِ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ مِنْ الْمَعَارِيضِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ بِهِ الظَّالِمُ، وَيَسُوغُ لِغَيْرِهِ مَظْلُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَظْلُومٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمِزَاحِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَقَدْ سَمَّاهُ حَقًّا، فَقَالَ: لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا». (وَلَا يَجُوزُ تَحَيُّلٌ لِإِسْقَاطِ حُكْمِ الْيَمِينِ) كَمَا لَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بِأَدِلَّتِهِ (وَلَا تَسْقُطُ) الْيَمِينُ أَيْ: حُكْمُهَا (بِهِ) أَيْ: التَّحْلِيلِ عَلَى إسْقَاطِهِ (وَقَدْ نَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: مَنْ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ جُمْلَةُ مَذْهَبِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ فِي الْيَمِينِ) وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ سَمْعٌ كَنِسْيَانٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَكَإِكْرَاهٍ وَاسْتِثْنَاءٍ (فَلَوْ حَلَفَ آكِلٌ مَعَ غَيْرِهِ تَمْرًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا لَهُ نَوًى كَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ عَلَى الْغَيْرِ (لَتُمَيِّزَنَّ نَوَى مَا أَكَلْت، أَوْ) حَلَفَ (لَتُخْبِرَنَّ بِعَدَدِهِ) أَيْ عَدَدِ نَوَى مَا أَكَلْت (فَأَفْرَدَ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (كُلَّ نَوَاةٍ) وَحْدَهَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَتُمَيِّزُنَّ نَوَى مَا أَكَلْت (أَوْ عَدَّ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَتُخْبَرُنَّ بِعَدَدِ نَوَى مَا أَكَلْت (مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ دُخُولَ) نَوَى (مَا أَكَلَ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا عَدَّهُ، مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَدَدَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ فَيُعِيدُ الْأَلْفَ كُلَّهُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا أَكَلَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ حَبِّهَا، فَذَكَرَتْ عَدَدًا يَدْخُلُ فِيهِ عَدَدُ حَبِّهَا (لَمْ يَحْنَثْ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ نِيَّتَهُ) بِالْحَلِفِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَدْ فَعَلَ مَا حَلَفَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ (وَإِنْ نَوَى) الْحَالِفُ (حَقِيقَةَ الْإِخْبَارِ بِكَمِّيَّتِهِ) أَيْ: بِعَدَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ؛ حَنِثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَقْصُودِهِ (أَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (حَنِثَ، لِأَنَّهُ حِيلَةٌ) وَالْحِيَلُ غَيْرُ جَائِزَةٍ، لِحِلِّ الْيَمِينِ (كَحَالِفٍ لَيَقْعُدَنَّ عَلَى بَارِيَةٍ بِبَيْتِهِ وَلَا يَدْخُلُهُ بَارِيَةٌ، فَأَدْخَلَهُ قَصَبًا وَنَسَجَهُ فِيهِ، أَوْ نَسَجَ قَصَبًا كَانَ فِيهِ) بَارِيَةٌ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِحُصُولِ الْبَارِيَةِ بِبَيْتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ فِي الْإِقْنَاعِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ.
(وَ) إنْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ (قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلَ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا طَبَخَهُ بِرِطْلِ مِلْحٍ (فَلَا يَجِدُ طَعْمِ الْمِلْحِ، فَسَلَقَ بِهِ بَيْضًا فَأَكَلَهُ) لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي هَذَا الْوِعَاءِ؛ فَوَجَدَهُ بَيْضًا وَتُفَّاحًا، فَعَمِلَ مِنْ الْبَيْضِ نَاطِفًا وَمِنْ التُّفَّاحِ شَرَابًا، وَأَكَلَهُ) لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ مِمَّا فِي الْإِنَاءِ، وَلَيْسَ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا حَيْثُ اُسْتُهْلِكَ، فَلَمْ يَظْهَرْ طَعْمُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ (أَوْ) حَلَفَ (مَنْ عَلَى سُلَّمٍ لَا نَزَلْتُ إلَيْك) أَيُّهَا السُّفْلَى (وَلَا صَعِدْتُ إلَى هَذِهِ) الْعُلْيَا (وَلَا أَقَمْت مَكَانِي سَاعَةً فَنَزَلْت الْعُلْيَا وَصَعِدْت السُّفْلَى وَطَلَعَ أَوْ نَزَلَ أَوْ) حَلَفَ مَنْ عَلَى سُلَّمٍ (لَا أَقَمْتُ عَلَيْهِ وَلَا نَزَلْتُ عَنْهُ وَلَا صَعِدْتُ فِيهِ، فَانْتَقَلَ إلَى آخِرِ) سُلَّمٍ فِي الْكُلِّ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ (إلَّا مَعَ حِيلَةٍ عَلَى قَصْدِ التَّخَلُّصِ مِنْ الْحَلِفِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ الْحَالِفُ ذَلِكَ حِيلَةً لِأَجْلِ التَّخَلُّصِ مِنْ الْيَمِينِ، كَأَنْ عَمِلَ النَّاطِفَ وَالشَّرَابَ أَوْ الْبَارِيَةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ التَّخَلُّصِ مِنْ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَأَمَّا لَوْ عَمِلَ الْحَالِفُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ، أَيْ: لَا يَقْصِدُ التَّحَيُّلَ عَلَى فِعْلِ الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي الْبَارِيَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا (كـَ) مَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت هَذَا الْمَاءَ وَلَا أَرَقْته وَلَا (تَرَكْته أَبَدًا) فِي الْإِنَاءِ وَلَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرِي، فَطَرَحَ فِي الْإِنَاءِ ثَوْبًا فَشَرِبَ الْمَاءَ ثُمَّ جَفَّفَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بَعْضَهُ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ أَوْ تَرَكَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى مُمْسِكٍ مَأْكُولًا لَا أَكَلَهُ وَلَا أَمْسَكَهُ وَلَا أَلْقَاهُ (وَ) إنْ حَلَفَ مَنْ بِمَاءٍ (لَا أَقَمْت فِي هَذَا الْمَاءِ وَلَا خَرَجْت مِنْهُ، وَهُوَ جَارٍ؛ لَمْ يَحْنَثْ) أَقَامَ بِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقِفُ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِ (إلَّا مَعَ سَبَبٍ) يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَيَحْنَثُ (لَوْ قَصَدَ أَنْ لَا يُقِيمَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ مُطْلَقِ الْمَاءِ) فَيَحْنَثُ (وَإِنْ كَانَ) الْمَاءُ (رَاكِدًا) حَنِثَ، وَلَوْ حَمَلَ مِنْهُ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ، فَلَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا حَقِيقَةً، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى؛ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَفِي الْإِقْنَاعِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا نَوَى ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَيَتَّجِهُ) حِنْثُ مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجْت مِنْ هَذَا الْمَاءِ (مَعَ عَدَمِ تَقْيِيدِهِ) الْإِقَامَةَ فِيهِ (بِزَمَنٍ قَصِيرٍ كَلَحْظَةٍ)، أَمَّا إذَا قَيَّدَ الْإِقَامَةَ فِي الْمَاءِ بِزَمَنٍ قَصِيرٍ، فَخَرَجَ بَعْدَ مُضِيِّهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ) ظَالِمٌ (مَا لِفُلَانٍ عِنْدَك وَدِيعَةٌ وَهِيَ) أَيْ: وَدِيعَةُ فُلَانٍ (عِنْدَهُ) فَحَلَفَ (وَعَنَى) أَيْ: قَصَدَ (بِمَا الَّذِي) فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي عِنْدِي لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ (أَوْ نَوَى) بِحَلِفِهِ (غَيْرَهَا) أَيْ: مَالَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ غَيْرَ الْمَطْلُوبَةِ (أَوْ) نَوَى بِحَلِفِهِ مَكَانًا (غَيْرَ مَكَانِهَا أَوْ اسْتَثْنَاهَا، بِقَلْبِهِ) بِأَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ وَدِيعَةِ كَذَا (فَلَا حِنْثَ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فِي يَمِينِهِ، أَثِمَ لِكَذِبِهِ وَحَلِفِهِ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا، وَإِثْمُ حَلِفِهِ عَامِدًا دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا، لِعَدَمِ تَعَدِّي ضَرَرِهِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ، فَتَفُوتُ عَلَيْهِ بِهِ، وَيُكَفِّرُ لِحِنْثِهِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُكَفَّرَةً (وَكَذَا لَوْ اسْتَحْلَفَهُ) ظَالِمٌ (بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَا) أَيْ: شَيْئًا (يَجُوزُ فِعْلُهُ، أَوْ) اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ (أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ) فِعْلُهُ (أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا لِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ، فَحَلَفَ) بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا (وَنَوَى بِقَوْلِ طَالِقٍ مِنْ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ كَخِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ)، لَا طَالِقٌ مِنْ عِصْمَتِهِ (وَ) نَوَى (بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ) كَأَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ (لَكِنْ لَوْ أَرَادَ) بِحَلِفِهِ (تَخْوِيفَ زَوْجَتِهِ، وَنَوَى ذَلِكَ) أَيْ: بِقَوْلِهِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلٍ وَبِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى رِوَايَةً وَاحِدَةً، (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ حُكْمًا، لِأَنَّهُ (احْتِمَالٌ بَعِيدٌ) فَإِرَادَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِلظَّاهِرِ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ (بَلْ يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَذَا) إنْ قَالَ لَهُ ظَالِمٌ: قُلْ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَنَحْوَهُ إنْ فَعَلْت كَذَا، فَقَالَ: (زَوْجَتُهُ) طَالِقٌ إنْ فَعَلَ كَذَا (أَوْ قَالَ: كُلُّ زَوْجَةٍ لَهُ طَالِقٌ إنْ فَعَلَ كَذَا) وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا (وَنَوَى زَوْجَتَهُ الْعَمْيَاءَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ الْحَبَشِيَّةَ وَنَحْوَهُ) كَالرُّومِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ (أَوْ نَوَى) بِقَوْلِهِ (كُلُّ زَوْجَةٍ تَزَوَّجَهَا بِالصِّينِ وَنَحْوِهِ) كَالسَّنَدِ وَلَا زَوْجَةَ لِلْحَالِفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَوَاهَا فِي الْأُولَى، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِمَا نَوَاهُ مِنْ الصِّينِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ نَوَى إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا بِالصِّينِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا؛ فَلَا حِنْثَ. (وَكَذَا) لَوْ أَحْلَفَهُ ظَالِمٌ فَقَالَ (نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا، أَوْ نَوَى) بِنِسَائِهِ (نَحْوَ بَنَاتِهِ) كَأَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ ظَالِمٌ (كُلَّمَا أُحَلِّفُك بِهِ فَقُلْ نَعَمْ أَوْ قَالَ لَهُ: الْيَمِينُ الَّذِي أُحَلِّفُك بِهَا لَازِمَةٌ لَك، قُلْ نَعَمْ، فَقَالَ نَعَمْ، وَنَوَى) بِقَوْلِهِ نَعَمْ، (بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ) لَمْ يَحْنَثْ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهُ: (قُلْ الْيَمِينُ الَّتِي تُحَلِّفُنِي بِهَا) لَازِمَةٌ لِي (أَوْ) قَالَ لَهُ: قُلْ (أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي) إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا، وَقَدْ فَعَلَهُ وَنَحْوَهُ (فَقَالَ، وَنَوَى) بِالْيَمِينِ (يَدَهُ أَوْ) بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ (الْأَيْدِي الَّتِي تُبْسَطُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ) أَيْ: مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ بِالْخِلَافَةِ؛ لَمْ يَحْنَثْ (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهُ: (قُلْ الْيَمِينُ يَمِينِي وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك، وَنَوَى بِيَمِينِهِ يَدَهُ، وَبِالنِّيَّةِ) مِنْ قَوْلِهِ وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك (الْبَضْعَةُ) بِالْفَتْحِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ أَيْ: الْقِطْعَةُ (مِنْ اللَّحْمِ) النِّيءِ لَمْ يَحْنَثْ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهُ: (قُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَنَوَى بِالظَّهْرِ مَا يَرْكَبُ نَحْوُ خَيْلٍ) كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ؛ لَمْ يَحْنَثْ (وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا) وَإِلَّا فَأَنَا مُظَاهِرٌ مِنْ زَوْجَتِي وَ(نَوَى بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَأَنَا مُظَاهِرٌ أَيْ: قَائِلٌ أَيُّنَا أَشَدُّ ظَهْرًا) لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ) قَالَ لَهُ فِي اسْتِحْلَافِهِ: قُلْ إلَّا فَعَلْت كَذَا، وَإِلَّا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، وَكَانَ فَعَلَهُ؛ وَ(نَوَى بِمَمْلُوكٍ حُرٍّ، الدَّقِيقَ الْمَلْتُوتَ بِالزَّيْتِ أَوْ السَّمْنِ) لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ نَوَى بِالْحُرِّ الْفِعْلَ الْجَمِيلَ أَوْ الرَّمَلَ الَّذِي مَا وَطِئَ) فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ: قُلْ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَجَارِيَتِي حُرَّةٌ، أَوْ فَجَوَارِيَّ أَحْرَارٌ، أَوْ فَمَمَالِيكِي أَحْرَارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ (وَ) نَوَى (بِالْجَارِيَةِ السَّفِينَةَ أَوْ الرِّيحَ وَنَوَى بِالْحُرَّةِ السَّحَابَةَ الْكَثِيرَةَ الْمَطَرِ، أَوْ الْكَرِيمَةَ مِنْ النُّوقِ وَنَوَى بِالْأَحْرَارِ الْبَقْلَ وَ) نَوَى (بِالْحَرَائِرِ الْأَيَّامَ) فَلَا حِنْثَ. (وَمَنْ حَلَفَ) بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (مَا فُلَانٌ هُنَا، وَعَيَّنَ مَوْضِعًا لَيْسَ هُوَ فِيهِ) لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ لِأَنَّهُ صَادِقٌ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَةٍ لَا سَرَقَتْ مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَرِقَةً (إلَّا بِنِيَّةٍ) بِأَنْ نَوَى بِالسَّرِقَةِ الْخِيَانَةَ (أَوْ سَبَبَ) بِأَنْ كَانَ سَبَبَ يَمِينِهِ خِيَانَتُهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَيَعْبُدَن اللَّهَ عِبَادَةً يَنْفَرِدُ بِهَا دُونَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي وَقْتِ تَلَبُّسِهِ بِهَا، بَرَّ بِالطَّوَافِ وَحْدَهُ أُسْبُوعًا بَعْدَ أَنْ يُخْلَى لَهُ الْمَطَافُ؛ (وَمِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَفِيرَةِ شَعْرِهَا) أَيْ: زَوْجَتِهِ (وَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَفِيرَةِ أَمَتِهِ، وَيَقُولَ: أَنْتِ حُرَّةٌ وَيَنْوِي مُخَاطَبَةَ الضَّفِيرَةِ) فَلَهُ نِيَّتُهُ (أَوْ يَحْلِفُ أَنْ يَأْتِيَ فُلَانًا كُلَّمَا دَعَاهُ وَنَوَى) بِيَمِينِهِ إتْيَانَهُ إلَيْهِ إذَا دَعَاهُ، وَهُوَ فِي (الْكَعْبَةِ، أَوْ وَهُوَ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ) كَالصِّينِ مَثَلًا، فَلَهُ نِيَّتُهُ (أَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ) عَلَى الْمَسَاكِينِ (وَنَوَى مَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَحْوِ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ) أَوْ عَنْبَرٍ أَوْ نَوَى مَا يَمْلِكُهُ مِنْ السُّيُوفِ وَالْقَسِّيِّ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا سَبَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الصِّدْقُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ (أَوْ قَالَ) لِمَنْ يَسْتَحْلِفُهُ: قُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا وَإِلَّا (فَمَالِي عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَ) إذَا نَوَى (أَنَّ مَالَهُ عَلَيْهِمْ): أَيْ الْمَسَاكِينِ (مِنْ الدَّيْنِ) فَيَجْعَلُ مَا اسْمًا مَوْصُولًا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (وَلَا دَيْنَ لَهُ) عَلَيْهِمْ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ) قَالَ فِي اسْتِحْلَافِهِ لَهُ: قُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا، إلَّا أَكُنْ فَعَلْت كَذَا (فَمَا صَلَّيْت لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) فَقَالَ ذَلِكَ (وَنَوَى بـِ) قَوْلِهِ (صَلَّيْت شَوَيْت عَلَى النَّارِ) أَوْ أَخَذْت بِصَلَى الْفَرَسِ، وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِخَاصِرَتِهِ إلَى فَخِذَيْهِ (أَوْ قَالَ): إنْ فَعَلَ ذَلِكَ (فَهُوَ كَافِرٌ، وَنَوَى الْمُسْتَتِرَ) الْمُتَغَطِّيَ أَوْ السَّاتِرَ الْمُغَطَّى، وَمِنْهُ قِيلَ لِلزَّارِعِ كَافِرٌ، فَلَهُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: قُلْ (كُلُّ زَوْجَةٍ أَطَؤُهَا غَيْرَك فَطَالِقٌ) فَقَالَ: (وَنَوَى أَطَؤُهَا بِرِجْلِي) فَلَهُ نِيَّتُهُ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: (إنْ خَرَجْت بِلَا إذْنِي فَطَالِقٌ، وَنَوَى إنْ خَرَجَتْ عُرْيَانَةً أَوْ رَاكِبَةً وَنَحْوَهُ) كَحَامِلَةِ الشَّيْءِ أَوْ مَحْمُولَةٍ عَلَى شَيْءٍ، لَمْ تَطْلُقْ، لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ.